من خطبة للإمام الحسين (ع) في منى: "مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الاُمناء على حلاله وحرامه".
من الأمور التي يتميّز بها عصرنا الراهن التفافُ الشباب المؤمن حول القيادات الدينيّة والمراجع العظام, وقد ثبت في التاريخ أنّه كلّما كان الناس يصغون إلى علمائهم كلّما كانوا أقوى وأمنع جانباً وأكثر مهابة, فآية الله العظمى المرحوم الميرزا حسن الشيرازي ـ ذلك المرجع الكبير ـ لمّا رأى مؤامرة بريطانيا على إيران وخطر استعمارها من خلال حصر إنتاج التبغ بالشركات البريطانيّة حرّم استعمال التنباغ والتتن في بيان أصدره إلى الشعب الإيراني, وهذا نصّ: اليوم استعمال التنباكو والتتن بأيّ شكل كان في حكم المحاربة لإمام العصر.
فالتزم الشعب دفعة واحدة بجميع فئاته بترك التدخين وكسرت الأراجيل, وفشلت خطّتهم الاستعماريّة, واضطرّوا للانسحاب. كما أنّ ثورة العشرين بقيادة علماء الدين وعلى رأسهم آية الله الشيخ محمّد تقي الشيرازي أخرجت العراق من براثن انكلترا. ولبركات اتّباع الناس وإصغائهم لمراجعهم الدينيّة نماذج كثيرة أثمرت العزّة للشعوب ونجاحها في قطع أيادي الاستكبار ودفع الظلم عن بلادهم, كما أنّ تخاذل الناس عن نصرة مراجعهم وعدم اتّباعهم لإرشادات رجال الدين والمراجع العظام ترك آثاراً مؤلمة وسيّئة سوّدت وجه التاريخ، ولها نماذج كثيرة أيضاً أولها تخاذل الناس عن علي وعن ابنه الحسن الذي أنتج تسلّط بني أميّة على مُقدّرات المسلمين وإخراج المسلمين من طريق الصلاح والهداية إلى مهاوي الضلال والغواية، ففاجعة كربلاء وقتل الآلاف من الأحرار والمجاهدين من أهل البيت والصحابة والتابعين وعلماء الدين وكثير من المؤمنين كانت نتاج عدم الوفاء لعلي (ع) وهكذا استمرّ التاريخ بين وفاء الشعوب وخذلانها.
وفي العقود الأخيرة من تاريخنا المعاصر نرى أنّ ثورة الإمام الخميني (قدس سره) أحدثت هزّة قويّة في قصور المستكبرين وعروشهم، وقفزةً كبيرة في يقظة المسلمين وصحوتهم منطلقة من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران ثمّ انتشرت في شرق العالم وغربه ولاسيّما فيما بين الشعوب الإسلاميّة والعربيّة.
وقد شهدنا أيضاً أثر فتوى الإمام السيستاني بوجوب الدفاع المسلح لصد هجوم الدواعش الإرهابيّة، بالرغم من وقوف عالم الاستكبار وراءهم، فقد تلقّى الأعداء من حشود الشعب العراقي صفعةً قويّة ستؤدّي إلى هزيمتهم من العراق عن قريب إن شاء الله.
كما أنّ نصرة المقاومة الإسلاميّة في لبنان، وازدهار شجرة انصار الله المباركة في اليمن. والوقفة الشجاعة والصابرة المظلومة السلميّة في طريق تحقيق مطالبهم الحقّة في البحرين, وانتصارات الشعب السوري في محنتهم على الإرهاب المدعوم من الاستكبار وعملائه في المنطقة، كلّها كانت حصيلة الهداية والتوجيه واستلهام الخط الثوري المقاوم من قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخامنئي.
ونتيجة لجهود وجهاد العلماء وتضحياتهم الكبيرة وفي مقدّمتهم الشهيدان الصدران (رضوان الله عليهما) أخذ الالتزام الديني في العمل بأحكام الشرع المبين ينتشر ويتوسّع نطاقه في أوساط الشباب والمؤمنين، وبما أنّ كثرةً هائلة من الشباب والمثقفّين الذين توجّهوا إلى الالتزام الديني والتعبّد العبادي يقلّدون قائد الثورة الإسلاميّة سماحة آية الله العظمى الإمام السيّد علي الخامنئي(دام ظلّه) استناداً إلى شهادة ثلة من الفقهاء بغزير علمه وتسلّطه على المباني الأصوليّة والفقهيّة وحُسن قريحته في استنباط الأحكام على تلك المباني من الكتاب والسنّة، ولما لمسوه فيه بأنفسهم من قوّة ذكائه في الفهم ودرايته في تشخيص الموضوعات الكثيرة المتنوّعة والمعقّدة, واتّخاذ أحسن موقف فيها ممّا فيه عزّة الإسلام وصيانة قيمه, فرجعوا إليه في التقليد، ممّا يستدعي توفير الرسائل العمليّة لسماحته لتغطية حاجات المقلّدين، وما صدر من الكتب الحاوية لفتاوى الإمام الخامنئي لم يكن وافياً لتغطية الحاجات وتلبية الطلبات، لكثرتها وتنوّعها، فبادر صديقنا المجاهد الفاضل سماحة السيّد كاظم الجابري بجمع فتاوى الإمام الخامنئي من مصادر مختلفة معتمدة وبذل جهده واستفرغ وسعه لإخراج مجموعة من الفتاوى المبتلى بها من تلك المصادر بتحقيق عميق وترتيب رشيق وجمعها بين دفّتي هذه الرسالة من دون إسهاب مملّ أو تلخيص مخلّ وسمّاه (موجز الأحكام) وقد عرضناها على هيئة الاستفتاء في مكتب الإمام القائد وأبدوا ملاحظاتهم في التكميل والتصحيح والتحسين فأخذ المؤلّف الفاضل بتلك الملاحظات واصبحت جاهزةً للنشر بفضل الله.
نسأل الله أن يشمل قائدنا المفدّى برعايته ويطيل في عمره المبارك ويتقبّل جهود حبيبنا المفضال سماحة السيّد كاظم الجابري ويزيد في توفيقاته, ويوفّقنا جميعاً على المواظبة في العمل بالواجبات, والاهتمام بالمستحبّات والاحتراز عن المكروهات, والكفّ عن المحرّمات بصونه وحراسته إنّه حميد مجيد.
السيّد مجتبى الحسيني
النجف الاشرف